سورة الأعراف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} يعني: الطواف عراة {مَا ظَهَرَ} طواف الرجال بالنهار {وَمَا بَطَنَ} طواف النساء بالليل. وقيل: هو الزنا سرا وعلانية.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن عبد الله قال قلت: أنت سمعت هذا من عبد الله؟ قال: نعم، فرفعه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله فلذلك مدح نفسه».
قوله عز وجل: {وَالإثْمَ} يعني: الذنب والمعصية. وقال الضحاك: الذنب الذي لا حد فيه. قال الحسن: الإثم: الخمر. قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي *** كذاك الإثم تذهب بالعقول
{وَالْبَغْيَ} الظلم والكبر، {بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} حجة وبرهانا، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} في تحريم الحرث والأنعام، في قول مقاتل. وقال غيره: هو عام في تحريم القول في الدين من غير يقين.
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} مدة، وأكل وشرب. وقال ابن عباس وعطاء والحسن: يعني وقتا لنزول العذاب بهم، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} وانقطع أكلهم، {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} أي: ولا يتقدمون. وذلك حين سألوا العذاب فأنزل الله هذه الآية.
قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} أي: أن يأتيكم. قيل: أراد جميع الرسل.
وقال مقاتل: أراد بقوله: {يَا بَنِي آدَمَ} مشركي العرب وبالرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وحده، {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} قال ابن عباس: فرائضي وأحكامي، {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ} أي: اتقى الشرك وأصلح عمله. وقيل: أخلص ما بينه وبين ربه {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} إذا خاف الناس، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: إذا حزنوا.


{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا} تكبروا عن الإيمان بها، وإنما ذكر الاستكبار لأن كل مكذب وكافر متكبر. قال الله تعالى: {نهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} [الصافات، 35]، {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} جعل له شريكا، {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} بالقرآن، {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} أي: حظهم مما كتب لهم في اللوح المحفوظ. واختلفوا فيه، قال الحسن والسدي: ما كتب لهم من العذاب وقضى عليهم من سواد الوجوه وزرقة العيون. قال عطية عن ابن عباس: كتب لمن يفتري على الله أن وجهه مسود، قال الله تعالى: {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} [الزمر، 60].
وقال سعيد بن جبير ومجاهد: ما سبق لهم من الشقاوة والسعادة.
وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: يعني أعمالهم التي عملوها وكتب عليهم من خير وشر يجزي عليها.
وقال محمد بن كعب القرظي: ما كتب لهم من الأرزاق والآجال والأعمال فإذا فنيت، {جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يقبضون أرواحهم يعني ملك الموت وأعوانه، {قَالُوا} يعني يقول الرسل للكافر، {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ} تعبدون، {مِنْ دُونِ اللَّهِ} سؤال تبكيت وتقريع، {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} بطلوا وذهبوا عنا، {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} اعترفوا عند معاينة الموت، {أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ}.


{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} يعني: يقول الله لهم يوم القيامة ادخلوا في أمم، أي: مع جماعات، {قَدْ خَلَتْ} مضت، {مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ} يعني كفار الأمم الخالية، {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} يريد أختها في الدين لا في النسب، فتلعن اليهود اليهود والنصارى النصارى، وكل فرقة تلعن أختها ويلعن الأتباع القادة، ولم يقل أخاها لأنه عنى الأمة والجماعة، {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا} أي: تداركوا وتلاحقوا واجتمعوا في النار، {جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ} قال مقاتل: يعني أخراهم دخولا النار وهم الأتباع، {لأولاهُمْ} أي: لأولاهم دخولا وهم القادة، لأن القادة يدخلون النار أولا. وقال ابن عباس: يعني آخر كل أمة لأولاها، وقال السدي: أهل آخر الزمان لأولاهم الذين شرعوا لهم ذلك الدين، {رَبَّنَا هَؤُلاءِ} الذين، {أَضَلُّونَا} عن الهدى يعني القادة {فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} أي: ضعف عليهم العذاب، {قَالَ} الله تعالى، {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} يعني للقادة والأتباع ضعف من العذاب، {وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} ما لكل فريق منكم من العذاب.
قرأ الجمهور: {ولكن لا تعلمون}، وقرأ أبو بكر {لا يعلمون} بالياء، أي: لا يعلم الأتباع ما للقادة ولا القادة ما للأتباع.
{وَقَالَتْ أُولاهُمْ} يعني القادة {لأخْرَاهُمْ} للأتباع، {فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} لأنكم كفرتم كما كفرنا فنحن وأنتم في الكفر سواء وفي العذاب سواء، {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ}.
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ} بالتاء، خفف أبو عمرو، وبالياءُ خفف حمزة والكسائي، والباقون بالتاء مشددة، {أَبْوَابُ السَّمَاءِ} لأدعيتهم ولا لأعمالهم. وقال ابن عباس: لأرواحهم لأنها خبيثة لا يصعد بها بل يهوى بها إلى سجين، إنما تفتح أبواب السماء لأرواح المؤمنين وأدعيتهم وأعمالهم، {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} أي: حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة، والخياط والمخيط الإبرة، والمراد منه: أنهم لا يدخلون الجنة أبدا لأن الشيء إذا علق بما يستحيل كونه يدل ذلك على تأكيد المنع، كما يقال: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب أو يبيض القار، يريد لا أفعله أبدا. {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8